بقلم / أ مصعب أبوبكر أحمد
ومن جهة أخرى تناول النقاد قضية مهمة الأدب وصياغة الموضوع الشعري من ناحية الأخلاق ، وهي تعتبر من القضايا التي أثيرت حولها أحاديث كثيرة ، واختلف فيها النقاد العرب ، مابين مُلزم بقيمتها ومبدئها ، وبين مُخرج لها من حيز الشعر ، وبين آخر معتدل لا يثير حولها نقاشاً .
فهي إذن من القضايا النقدية التي أثارها النقاد العرب القدامى ، إلاَّ أنها لاتهُم ولا تخدم فنيّة الشعر أو جماليته التعبيرية ، إنما تتصل اتصالاً مباشراً بعاطفة المتلقي ، أو متذوق الشعر .
فإن قَبِل هذا المتذوق أن يجنح الشاعر بخياله ويسيح به في عالم غير المنظور ويصول ويجول بتعابيره ، فإنما يقبلهُ لما يحمله بين طياته من صور جمالية لمعانٍ عظيمة ، أو بسيطة ، ولحب الفرد لما هو غير متوفر في عالمهِ وواقعه المُعاش .
والشاعر بمقدوره في هذه القضية أن يحتذي طريق الصواب ، ذلك إن كانت نفسه مُقيَّدة مرهونة بتلك الفضائل والعقائد .
نرى أن كل فرد سليم العقيدة والسلوك الأخلاقي لا يقبل ما يقلل من قدرها ويستخف بها ، ومن الأفضل للشاعر ألاَّ يتطرق لهذه القضية ، أو إن تطرَّق لها ، فبما هو محمود معزز ومؤيّد لها . أما أن نقول إن الدين بمعزل عن الشعر ، فهذا ما لا يُقبل على الإطلاق ، حتى وإن كان الشاعر يتبع ديانة مغايرة لديانة المتذوق ، إذ على الشاعر دآئماً احترام العقائد الدينية على اختلافها ، واحترام فضائل الأخلاق والإحتفاظ بستار العِفة في أعماله الشعرية ، ذلك الذي يضمن لهُ احترام متذوقي الشعر وغيرهم لأعماله الشعرية وحتى يضمن لها الخلود والعالميِّة ، ويعُدها ليوم لا يُنظر فيه لأنك كنت شاعر أم فقيه متعبد .
ثم إن هذه القضية ليست مما يجب اقحامه في المجادلات النقديّة ، شأنها شأن قضايا المعنى الآخر ، أو أي قضية شعريِّة فنيِّة ، أم غير فنيّة ، ذلك أنها من الأمور المحسومة بأمر العقيدة ، والتوجّه الروحي الديني لكل فرد ، ولا مجال للخوض في أنها قضية صائبة أم غير صائبة ، فلا تداخُل فيها ولا غموض نظري . والصواب في مجال نقد النصوص الشعرية ألاَّ يوجّه نقد لنص من هذه الزاوية فقط ، وإن ظهر ما ينم عن سوء عقيدة الشاعر ، إلى جانب ما يحمل نفسه من صور وأخيلة لا يخفي جمالها ، فعلى الناقد أن يبرز كل جيّد وكل رديء في النص ، لا أن يتحامل عليه من زاوية وآحدة.